ذئابٌ جائعة لأجسادٍ عارية

وبعدها بمدة تجاوزت الساعات بدأت الرجوع إلى العالم ...بدأتُ استيقظت...فتحتُ عيني بصعوبة وأشحت بنظري إلى المكان الذي أنا فيه وعينيَّ لم تكتمل قوة بصرهما بعد ..لكني استطعت أن اعرف باني في غرفة تخلو من الأثاث عدا السرير الذي يستلقي به جسدي أدرت رأسي إلى اليمين بصعوبة من اثر الضربة التي تلقيتُها مُسبقاً فرأيتُ شابًا مستلقيًا بجانبي مُرخياً رأسه على بيده ..لم أستطع تمييز ملامحه جيدا ...لكن سرعان ما استعدت بصري كاملاً لأرى وجهه الذي كان يشع بهاءً وجمالاً نظرتُ إليه وأنا أتأمل ذاك الجمال الأخاذ فابتسمت له تلقائياً بدون أن اشعر فبادلني هو الابتسام لكنني أدرت رأسي للجهة الأخرى وأغمضت عينيَّ...لكن سرعان ما تحولت تلك الابتسامة إلى بكاءٍ وصراخٍ..بسبب ما سمعته من بكاء ومناجاة من صديقاتي...فقد كنَّ يصرخنَّ بشدهٍ ويطلبنَّ الرحمة لكن من ماذا هذا الذي لم استوعبه في تلك اللحظة قفزت من سريري كاللبوة التي تُحاول إنقاذ صغارها من الذئاب لكن سرعان ما تحولت تلك اللبوة إلى حمامةٍ مكسورة الجناحين فقد أمسك ذلك الشاب يدي بقوة ودفعني إلى السرير مرة أخرى حاولت الهروب كحيوانٍ وقع في مصيدةٍ لكن دون فائدة فقد كانت تلك المصيدة محكمةٌ جداً لجعلي ساكنه في مكاني لا أقوى على شي سوا البكاء وطلب الرحمة منه عندها علمتُ ماذا يحدث لصديقاتي, أغمضت عينيَّ بقوةٍ وأنا ابكي واطلب منه أن يدعني وشاني لكنه اكتفى بتمزيق ملابس....عندها علمتُ أن نهايتي قد حانت, نهاية شرفي الذي حافظة عليه ينتهي بتلك السهولة بقيتُ مغمضة عينيَّ لكن لاشي ...لم يحدث شي ففتحتُهُما بسرعة ولم أجده بجانبي بل بجانب الباب يسترق السمع على رفاقه, تعجبتُ مما يفعله لكن لِمَ يسترق السمع؟ ولِمَ اكتفى فقط بتمزيق ملابسي؟ اقتربت منه لا فهم ماذا يريد بالضبط, لِمَ لا يدعني ارحل؟ لكني وبينما اقترب منه فهمت ماذا كان يقصد من فعلته وهذا بعد ما سمعت من رفاقهُ الذين كانوا يضحكون بهستيرية لسماعهم صرخاتي.
- أخيراً فعلها.
- ظننتهُ لن يفعل شيئاً.
- لكنت أخذتها منه إذا لم يفعلها.
إذن هو لا يريد أن يأخذ مني اعز ما املك...لكن! لماذا إذاً اشترك معهم....امتزجت علامة الفرح وغضب في آنٍ واحد, لماذا لم يمنعهم من فعل هذا؟ أو حتى يحذرنا؟ فصرخت لكن سرعان ما كتمتُ صراخي حينما سمعت طرقاتٍ على الباب فاقترب هو نحوي امسك يدي وصفعني على فارتميتُ على الفراش ابكي من الم الصفعة وقام بعدها بفتح الباب.
- ماذا تريد يا "مازن"؟
أطلق ذلك (المازن) ضحكةً حقيرة التي كلما تذكرتُها يقشعر بدني وأشعر بألمٍ في أذنيَّ من أثر تذكر تلك الضحكة الجرثومية.
- ههههههههههههههههه... "وليد"...هل ستظل بالغرفة معها كثيراً! ...ماذا ألن نتبادل؟
ولم يُكمل كلمته الأخيرة وإذا (بوليد) يُطبق على عنق (مازن) ودفعهُ إلى الجدار بقوةٍ وصرخ بغضب يعتلى عيناه العسليتان كسماء تنذر بقدوم إعصار أهوج.
- إياك أن تفكر بها مُجدداً...إنها لي أتفهم هذا؟
قال هذا ودفعهُ إلى الخارج وإغلاق الباب. أشاح بنظرهِ إلي بعد أن رسم على محياة تلك الابتسامة الهادئة التي أطفئت النيران الموجودة في قلبي وعزلت أذني عن سماع الآم صديقاتي وأنساني لوهلةٍ أني في بيت الذئاب, لكن سرعان ما أدركت أني مخطئة ...كيف له أن يبتسم ونحن في هذه الحالة أهو مختل؟ أدرت بعيني بأرجاء الحُجرة علي أجد شيئاً أهدده به ليتركني لكن الغرفة كانت خاليةً من الأثاث عدا السرير وأنا وهو....تراجعت إلى الخلف بخطوات بطيئة يائسة إلى أن أوقفني الحائط خلفي, أتكئتُ على ركنٍ هذه الغرفة وأخذت التقط أنفاسي بصعوبة وكأن أذرع صديقاتي مطبقةٌ علي أنفاسي, تلمُمنني على ما يحدث لهنَّ حاولت إبعاد تلك الأذرع عن عنقي والصراخ بأن يتركنني وشأني ....كذلك حاول (وليد) - الذي لم أعرف اسمه إلا من خلال المحادثة التي دارت بينه وبين صديقهُ (مازن) - أن يساعدني لكني دفعته إلى الخلف بقوة وقلت وقد تلبس وجهي لباس الغضب:
- ابتعد عني أيها المختل....آنت مجنون؟! لما تساعدني؟ لما لا تفعل ما يفعلونه رفاقُك؟
جثيت على ركبتي وأجهشت بالبكاء وقلت بكلمات مقطعة وبنفسٍ غير منتظمة:
- ل..لما...لما لم ت..ساعدهم...لماذا؟
انقضضت عليه ممسكة بياقة قميصه وقلت بصوت آمر:
- أنقذهنَّ!
لكن سرعان ما تراجع ذاك الصوت الآمر إلى صوت سجين مذلول يطلب المساعدة من سجانه....جثيت على ركبتي مرة أخرى وأنا أبكي بألم لدرجة أني أحسست بأن دموعي قد نفذت وبُدلت بالدماء:
- أرجوك....أرجوك ساعدهنَّ....أرجوك...سأعطيك ما تريد فقط ساعدهنَّ....أنا سبب وجودهم هنا....أنا ...
توقفت عن الكلام وكأن لم يعد لدي ما أقوله, وكأن الكلمات الموجودة في العالم تلاشت, وكأن مرادفات كلمة الرحمة...تلاشت من عقلي...لم يكن هناك عدا غرفة مليئة بالدماء وصديقاتي يغرقنَّ أمامي وأنا أُحاول إنقاذهنَّ لكني لا استطيع بسبب القفص الذي أسرني به السجان أنظر إليهنَّ من أعلى الغرفة...أصرخ ...أبكي ...لكن دون جدوى.
رفعتُ عيني إلى الأعلى فإذا به واقفٌ أمامي يمد لي يده ليساعدني عن النهوض حاولت إعطائهُ يدي لكني سمعت صوت صديقاتي يصرخن من وراء الباب يطلبنَّ المساعدة لكن دون رحمة, فتلك الذئاب الجائعة لا تلبث أن تطلب المزيد من أجسادهن المنهكة.
تلاشت كل تلك الأصوات ببطءٍ إلى أن اختفى ذاك الصوت في الأفق بعدها صرختُ أخيرة مستنجد: "ساعدنـــــــــــــــــــي!

يعطيك العافية