عين الشيطان

استدارت المقدمة إلى عدسة آلت التصوير بابتسامة هادئة تقول:
- حسناً لنشاهد آخر شخص.
وتعلق أعين الحاضرين على شاشة التلفاز المعلقة على الحائط, سأل المذيع نفس السؤال أضاف قائلاً:
- من هو من وجهة نظرك المذنب الفتيات أم الشباب؟
ضحك ذاك العجوز الذي تجاوز الثمانين عاماً وكأنه قد تذكر طرفة قديمة.
فسأله المذيع بتعجب رسم وجه:
- عذراً أيها الجد..لكن ما الذي يضحكك!!
عدل العجوز طقم أسنانه الذي كاد أن يتدلى إلى خارج فمه ثم قال:
- أنت سألتني من هو المذنب هن أم هم لكن لماذا لا تقول أن كلاهُم مُذنبين!
علقت كلمات المذيع في جوفه وتراقصت أهدابه صعوداً ونزولا وهتف يقول:
- حسناً...أنا..أنا...
وقبل أن يقول شيء قاطعه العجوز:
- لا تقل شيئاً يا بني فكلاً من الفتاة والشاب قد ابتعدا عن الله وأحبا الحياة بملذاتها أكثر من الآخرة.
فالشاب المتقرب إلى الله حتى إذا رأى مائة فتاة فاتنة يستطيع أن يتجاوزهن بغض بصره والتعوذ بالله منهن... والفتاة المتقربة إلى الله لن تغريها تلك الملابس الفاضحة أبداً ولغمرها الحياء عن لبس تلك الملابس.
أنتم أيها الشباب والشابات مذنبون بحق أنفسكم, لا تجعلوا الشيطان يزين لكم الحياة بملذاتها فالحياة رائعة بالعين التي تنظرون بها وليس بعين الشيطان الذي يجعلكم تنظرون بها...لا تنظروا إلى مرآة الحياة بل إلى الحياة نفسها....
جعل ذاك العجوز أبداننا تقشعر من كلامه الصحيح الموزون وعم السكون أرجاء غرفة التصوير فقطعته أنا بتصفيقي الذي شاركني به فيما بعد كل من كان في الغرفة وقلت بعد أن عم السكون مرة أخرى:
- لقد صدق ذاك العجوز في كل ما قاله...نعم نحن مذنبون بحق أنفسنا...أتريد النساء عالم بعيد عن الرجال....ههههههه...كيف يستطعن النساء أن يعشن بدون رجال وكيف يستطيع الرجال أن يعيشون بدوننا؛ نحن النساء والرجال نكمل بعضنا البعض..كيف ننسى ما قاله الخالق في كتابه (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى)
حقاً عين الشيطان أنستنا أعيننا الحقيقية, لكن...هل نحن أنا, هي وصديقاتي مذنباتٌ أيضاً...فنحن لم نكن نلبس القصير أو الضيق تابعت كلامي والدموع تتساقط من عيني بحرقه وألم كنهرٍ قد غمره الحزن...فقد كنا نلبس الحجاب والعباءة الفضفاضة كما ترون الآن..فماذا نسمى أمامكم أيها الموجودون...ماذا نسمى أمامك أيها الجد...مذنبات! لكن لسنا جميعاً بريئات بنفس الوقت..
حملق الجميع صوبي ومن ضمنهن مقدمة البرنامج فعدت أتكلم من جديد بعد أن تراخى جسدي على المقعد:
- هناك فتاة منا وحدها هي المذنبة وهي السبب في حدوث هذا...
نهضت مقدمة البرنامج من مكانها بسرعة واتجهت نحوي ممسكه يدي بقوة وعيناها تنظران إلي بتوسل ورجاء أن أخبرها عن أسم تلك الفتاة كجروٍ ينتظر بلهفة متى سيقوم صاحبه برمي العظمة له, فبالنسبة لها ما سأقوله سيكون معبرها لشهرة والنجاح...لكني اكتفيت بالابتسامة وبدأت بنزع تلك الأجهزة المتصلة بملابسي نهضت حينها تلك الجاثية على ركبتيها مطأطئةً رأسها محتقرة نفسها بسبب ما فعلته لكنها برفعت رأسها عندما رأتني أغادر المكان وعيناها قد امتلأتا احمراراً فقالت بصوت عالي:
- توقفي..كيف تجرئين على الذهاب دون إخباري بمن تكون...توقفي ..
استدرت إليها ومشيت خطوات سريعة نحوها همست بأذنها بكلام لم يسمعه أي أحد, حاول المصور أن يقرب آلة التصوير باتجاهنا, قام معد الأجهزة المكبرة برفع أجهزة الصوت الملتصق بملابس المقدمة لكن دون جدوى كل ما رأوه هو شحوب وجه المقدمة وكأن ملك الموت قد أنتزع روحها لبضع دقائق وأصبحت كتمثال بلا حراك وبعدها غادرت مكان التصوير تاركة مقدمة البرنامج في وجومها وسكونها لكن سرعان ما عادت روحها بسبب صراخ المخرج وأمرها بعد ذلك بختم الحلقة.
وعندما وصلت إلى المنزل وجدت ذاك المحقق في البيت سألني عن من تكون تلك الفتاة فأخبرتهُ بأني أشك (بأميرة) عندما سألني عن السبب أخبرته أنه مجرد حدس لكني سأدعمه بخطة طرأت في بالي ويجب أن تنفذ بسرعة قبل أن تهرب أو تقتل أحداً آخر وأخبرت المحقق بالخطة وزودني بعد أن أخذ الإذن من رئيسه بأجهزة تنصت ليسجل كل ما سيدور بيني وبينها وبعدها بيومين ذهبت إلى هاتف عمومي وجعلت أحد المارة بعد أن أعطيته بعض من المال بأن يتحدث مع (أميرة) ويقول ما سيقراه على الورقة التي أمامه فوافق قال ما أردته أن يقوله بعد أن جعلته يحدد لها مكان للقاء وهو نفس ذاك الكهف فوافقت بعد أن حددت هي الوقت بنفسها في الساعة الخامسة فجراً وأغلقت الهاتف بعدها وقد كنت أعلم بأن (أميرة) ستراقب تحركاتي حينها فطلبت من المحقق ألا يأتي إلى منزلي أو حتى يتصل بي وأن يتعقبني من بعيد لكي لا تشعر (أميرة) بأي شيْ .

يعطيك العافية